dimanche 21 avril 2024

فلسطين المحتلة- الخليج العربي: الإمارات تقود التطبيع مع إسرائيل




لعبت دولة الإمارات العربية دورا تاريخيا في دعم القضية الفلسطينية في زمن الراحل الشيخ زايد آل نهيان، لكن بعد رحيله عام 2004، انقلب الموقف الإماراتي وأصبح يطمح لعلاقات وطيدة مع إسرائيل و التقارب معها.


بقلم : آدم ميرا


من يريد أن يلعب دورا فاعلا على الساحة الدولية و يكون له تأثيرا كبيرا، يجب عليه أن يكون ذو ثقل في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. قاعدة سياسية هامة لم يبحث عن دور على الساحة الدولية

كانت دولة قطر أول الدول الخليجية التي فتحت قنوات علنية مع تل أبيب و ذلك بعد انقلاب عام 1995 وصعود قيادات شابة للحكم في الخليج. كان ناصر المسند سفير قطر في واشنطن هو من فتح حوارا مع الإسرائيليين، حيث طلبت واشنطن من الحكومة الشابة في الدوحة بأنها ستؤيد الانقلاب في حال فتحت الحكومة الجديدة قنوات مع الإسرائيليين، و هذا ما حصل

حيث تم فتح مكتب اتصال إسرائيلي في الدوحة منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وأصبحت قطر تطمح للعب دورا فاعلا في السياسة الدولية. ثم جاءت قناة الجزيرة التي كانت القناة العربية الأولى التي استضافت إسرائيليين و كان من بين أول المدعويين الصهيوني العالمي وصاحب القنبلة الذرية شمعون بيريز.

استطاعت قطر أن تخطو خطوات واسعة على كافة الأصعدة وأصبح لها دورا هاما فيما يُسمى « السياسة الناعمة ». كانت قطر تحقق تقدما أمام أعين جيرانها في دول مجلس التعاون، حيث كانت قلوب بعضهم مليئة بالغيرة والحسد من نجاحات قطر، حيث كل مشيخة خليجية تحاول أن تحصل على موقعها، فالكتلة المالية الهائلة الناتجة عن الذهب الأسود تحتاج إلى طرق لصرفها.

 هنا جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة التي تبحث عن دور فاعل لها يتناسب مع نجاح إمارة دبي الاقتصادي، والكتلة المالية الهائلة التي تضخمت مع القفزات الاقتصادية. لكن العداوة مع إيران التي تحتل ثلاث جزر إماراتية منذ عام 1971، كانت دائما تعيق الإمارات التي تبحث على من يحميها من طهران.

للاشارة سمح الانتداب البريطاني قبل أن يعطي الاستقلال لمشايخ الخليج في العام 1971 الضوء الأخضر لإيران بالاستحواذ على جزر طنب الكبرى والصغرى و أبو موسى بدلا من الاستحواذ على البحرين.


بداية العلاقات


كانت الإمارات تبحث عن موقع لها تسرق فيه الأضواء من قطر، وتستطيع آن يكون لها كلمة فيما يجري من قضايا في المنطقة العربية

 في البداية كان لا بد أن يكون هناك مُحركا لهذا الطموح، فجاءهم ما أرادوا على طبق من ذهب، حيث أتى الفلسطيني محمد دحلان الذي تم طرده من حركة فتح عام 2011 ليستقر  في الإمارات، و تم تعيينه مستشارا أمنيا للشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات العربية المتحدة و التي كان وقتها نائبا للرئيس، حيث كان أخيه خليفة قد تعرض لأزمة صحية و غاب عن المشهد السياسي.

كان محمد دحلان القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح و الذي يُتقن العبرية ويرتبط بعلاقات وطيدة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي هو البوابة لفتح العلاقات بين سلطات تل أبيب و الإمارات، كما أنه تدخل بشكل فاعل في إعطاء دورا واسعا للإمارات للتدخل في الشؤون العربية بعد انطلاق الربيع العربي عام 2011، حيث أصبح للإمارات دورا في مصر، تونس و ليبيا و ذلك في محاولة للقضاء على كل مكان لحركة الإخوان المسلمين.


فضيحة جواسيس غزة


أرسلت دولة الإمارات إلى غزة عام 2014 بعثة من الهلال الأحمر مؤلفة من 50 طبيبا و إداريا لإقامة مستشفى في القطاع، ولم تمضِ عدة أيام حتى اكتشفت حركة حماس أن البعثة الطبية الإماراتية كان هدفها هو جمع معلومات عن منصات قصف الصواريخ و عن كتائب الشهيد عزالدين القسام، و أن عددا لابأس به من أعضاء البعثة الطبية كانوا عاملين في جهاز المخابرات الإماراتية.

تدَخل محمد دخلان بإيعاز من أبوظبي لكي يخنق القضية ولا يتم تداولها في وسائل الإعلام. كان محمد دحلان الذي يرتبط بعلاقات وطيدة مع محمد الضيف قائد كتائب عزالدين القسام قد أقنع الأخير بإغلاق الملف. و فعلا أثبت دحلان فاعليته لبن زايد، وعليه  تم إغلاق الملف و طرد البعثة الطبية من فلسطين بهدوء.


كان طرد البعثة يتوافق مع مفاوضات كانت جارية في قبرص يخوضها عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات مع الإسرائيليين للتطبيع بين البلدين. لكن توقفت المفاوضات و تأجيلها لأجل غير مُسمى بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، لكن القناة الأمنية بقيت مفتوحة بين البلدين.


طموحات إماراتية


لقد حققت إمارة دبي قفزات كبيرة و نوعية بسبب طموح حاكمها الشيخ راشد ومن بعده محمد آل مكتوم، و أذكر أنه في عام 2008 عندما ضربت الأزمة العالمية اقتصاد الإمارات، طلب حاكم دبي الشيخ محمد معونة أبوظبي، وكان قد اقترب الانتهاء من برج خليفة، فاشترط حاكم أبوظبي أن يتم تسمية برج دبي الذي سيكون الأعلى عالميا باسم « برج خليفة » على اسم حاكم الإمارات آنذاك خليفة الذي خلف والده الشيخ زايد عام 2004، فوافق مباشرة محمد آل مكتوم مقابل الحصول على الدعم المالي.


كانت الإمارات قد شاركت عام 2001 في الحرب على أفغانستان إلى جانب القوات الأمريكية بعد الهجوم  التي تعرضت له نيويورك من تنظيم القاعدة، وشاركت قواتها في الحرب على ما تم التعارف عليه باسم « الحرب على الإرهاب »، كانت الإمارات حريصة على لعب دور و تقديم نفسها كلاعب فاعل على الساحة الدولية من خلال مشاركتها في هذه الحرب. كما أقامت قواعد عسكرية  لقوات الناتو على أراضيها، وتستقبل الجنود الكنديين والأمريكيين والفرنسيين الغربيين لقضاء إجازاتهم في الإمارات.


بدأ الطموح الإماراتي باسم ما تم تسميته « الحرب على الإرهاب » حيث تم توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، لكن طموح الانتشار و لعب دور اهتز مع اكتشاف خلايا للإخوان المسلمين في الإمارات التي تدعو لتغيير النظام. كل ذلك كان في عام 2014، حيث ألقت الجهات الأمنية على خلية من 30 شخصا بينهم مصريين و إماراتيين، و حسب لائحة الاتهام الإماراتية كانت الجماعة تسعى لتغيير الحكم و لها علاقة بالتنظيم السري العالمي للإخوان، كما تم إلقاء القبض على 90 متهما إماراتيا بينهم نساء يتبعون للتنظيم، وقد صدرت عليهم أحكام بالسجن بين خمس سنوات و ثلاثة أشهر.


كان هذا الاكتشاف للخلية الإخوانية هو بداية الحملة الخليجية بشكل عام و الإماراتية بشكل خاص على حركة الإخوان و ملاحقتها في كل مكان.


الإخوان و مشايخ الخليج


تعرضت حركة الإخوان المسلمين لحملة اعتقالات و تنكيل في مصر في بداية الستينيات، و ذلك بسبب الصراع مع العسكر الذين سيطروا على الحكم عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر الذي كان أحد المقربين من الإخوان، ولكن الصراع بين الطرفين وصل لإعدام زعيمهم سيد قطب عام 1966 بتهمة تأسيس تنظيم سري و محاولة قلب نظام الحكم

في ظل هذه الهجمة على تنظيم الإخوان، هرب أعضاؤها إلى دول مجلس التعاون الخليجي، و خاصة إلى المملكة العربية السعودية، حيث كان هناك رابطا تاريخيا بين مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز آل سعود و مؤسس حركة الإخوان حسن البنا، حين دعا هذا الأخير الملك لتأسيس حزب إسلامي فرد عليه : « إن الله ليس بحاجة لحزب للدفاع عنه


لقد فتحت السعودية أبوابها للإسلاميين الذين استحوذوا على المؤسسة التعليمية، و كان لهم باع طويل في تأسيس المدارس و الجامعات في السعودية والخليج العربي. و تفرع عن جماعة الإخوان العديد من الجماعات المختلفة حسب شيوخهم مثل «  السروريين ». 

لقد تأثرت شعوب الخليج بحركة الإخوان، وأصبح الكثير منهم ينتمي للجماعة مع بصمة الوهابية و هو المذهب السائد في الخليج العربي، ولكن حركة الإخوان الخليجية ظهرت للعلن في العام 1991 أثناء أزمة الخليج الثانية، و أطلقت على نفسها « حركة الإصلاح » حيث طالبت الملك فهد في بيان بعدم السماح للجيوش الأمريكية بالدخول إلى السعودية، واتخذت موقفا يتعارض تماما مع موقف رجال الدين التقليديين السعوديين و الذين يتبعون قاعدة « إطاعة ولي الأمر ».

طبعا لمع من الإخوان الذين لايحبون الأضواء الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أصبح الناطق الرسمي غير المُعلن للإخوان عبر ظهوره المستمر على شاشة الجزيرة القطرية، كما أنه شارك بخطاب تاريخي في ساحة التحرير بمصر بعد سقوط نظام حسني مبارك عام 2011.

كان الإخوان في الإمارات و غيرها من دول الخليج يحظون بمعاملة خاصة، و لهم نفوذ واسع على اعتبار أنهم أصبحوا جزء من نسيج المجتمع الخليجي، فهم أول من ساهم في بناء مؤسسات الخليج، لكن أزمة الكويت في عام 1990-1991 و من ثم الربيع العربي  الذي بدأ عام 2011 أعطى زخما واسعا للإخوان، دفع حكام الخليج للخوف منهم، خاصة بعد استلامهم للسلطة في مصر مع وصول الدكتور محمد مرسي عام 2012 إلى سدة الحكم. هنا تنبه حكام الخليج أن حركة الإخوان تحمل مشروعا سياسيا بديلا عن مشروعهم، و هم بذلك يٌشكلون خطرا عليهم، و هذا ما دفع التحالف الإماراتي-السعودي لدعم انقلاب عبد الفتاح السيسي على محمد مرسي و ملاحقتهم في كل مكان يتواجدون فيه.


الإمارات قمع داخلي و علاقات مع دولة الكيان


بعد اغتيال محمود البحبوح عام 2010، أحد أعضاء الجناح العسكري لحركة حماس، على أراضيها من طرف الموساد الإسرائيلي، سعت الإمارات لتقوية جيشها و جهازها الأمني ، كما أن هذا الاغتيال آخَر التطبيع مع إسرائيل.


ثم جرت مرة أخرى اتصالات في قبرص وكان رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير أحد الحاضرين لهذه الحوارات إضافة إلى عبد الله بن زايد، لكن دائما كان التأجيل يأتي لظروف إقليمية طارئة

الإمارات تقدم نفسها كأحد الدول الفاعلة ضد ما يُسمى « الحرب على الإرهاب »، و انطلاقا من ذلك عمقت علاقاتها مع الولايات المتحدة خصوصا والاتحاد الأوربي، و حصلت لمواطنيها على إعفاء من التأشيرة لزيارة الاتحاد الأوربي.


كان التوجه غربا هو الهدف الأساسي لدولة الإمارات التي تجد أن المحيط العربي ليس فاعلا، و تحكمه أفكارا تقليدية تُعيق تقدمه. كما شنت حملة اعتقالات واسعة عام 2012 طالت شخصيات إماراتية مثل حمد رقيط رئيس الحركة الإسلامية الإصلاحية.

وقال وقتها سعيد بن عربية كبير المستشارين القانونيين لبرنامج اللجنة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا: "ان الحملة الاخيرة جزء من حملة اوسع للترويع والتضييق من جانب سلطات الامارات بهدف إسكات الاصوات المنتقدة ».

كما قال روبرت كلوفيل المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة: « إن الحملة تبدو كما لو كانت ذريعة لاسكات المطالب المشروعة.»                                              لقد كان السعي الإماراتي هو إخماد أي صوت يمكن أن يعلو ضد التطبيع، أو ضد النظام القمعي المانع لأبسط الحريات أو المدافع عن البدون، و هم حوالي 100 آلف إماراتي لا تعترف بهم الحكومة كمواطنين.                                                                                                          عندما أتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة عام 2017، تم توطيد العلاقات بين البلدين بشكل كبير، حيث اعتمد سياسة المقايضة، مثل عملية التطبيع بين المغرب و إسرائيل التي جاءت باعتراف واشنطن بحق المغرب بالصحراء الغربية مقابل أن يقوم المغرب بإعادة علاقاته مع إسرائيل. في حين جاءت المقايضة بين الإمارات والولايات المتحدة من أجل الحصول على طائرات الشبح F35، لكن بعد فشل ترامب في الحصول على ولاية جديدة، لم يتم الالتزام بالاتفاق للحصول على الطائرات و قررت حكومة الرئيس جو بايدن دراسة الموضوع، و هو ما يعني عدم السماح للإمارات بامتلاك هذه الطائرة التي تمتلكها إسرائيل.

تعميق العلاقات مع الكيان

رغم الخيبات، أصرت الإمارات على استمرار تعميق العلاقات مع إسرائيل، حيث بدأت تساهم في تنمية الاقتصاد الإسرائيلي، و تشتري حصصا في شركات إسرائيلية، كما قامت بإلغاء التأشيرة بين البلدين، لكن كان أخطر ما قامت به هو بناء مجمع ديني سمته بالبناء الإبراهيمي، وهو امتداد لاتفاقيات التطبيع التي تمت بين المغرب و البحرين و الإمارات مع إسرائيل عام 2020، وتم تسميته بالاتفاق الإبراهيمي. حيث بدأت طروحات جديدة تنال من الإسلام، لدرجة أن شيخ الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب أكد على أنه يوجد فروقات شاسعة بين الأديان السماوية الثلاثة.

لكن الإمارات مستمرة في مشروعها، حيث انتقدت مندوبتها في الأمم المتحدة لانا زكي نسيبة هجوم السابع من أكتوبر لحركة حماس ووصفتها بالإرهاب. ثم بعد ذلك عرضت الإمارات عشرون مليون دولار مساعدة لغزة و كذلك عرضت عن رغبتها بإنشاء مستشفى ميداني.                               الإمارات تقود حملة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا ما وتر العلاقات السعودية-الإماراتية، حيث ضغط الشيخ محمد بن زايد على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من أجل التطبيع مع إسرائيل، لكن بن سلمان رفض التطبيع بدون الحصول على ثمن، خاصة و أن السعودية ليست الإمارات. الرفض السعودي وَترَّ العلاقات بين البلدين، لكن الإمارات مستمرة في ذلك، حيث تحاول مع دول عربية أخرى.

خلاصة

إن السعي الإماراتي للحصول على مكان هام على المسرح السياسي الدولي دفعها لأن تفعل أي شيئ، حيث تقوم بالتخريب على قطر التي نجحت في إطلاق سراح رهينتين منذ عدة أيام كانتا بقبضة حماس. و هي تحاول في الوقت نفسه تعميق علاقاتها مع المغرب ليكون أداة تخريب و عدم الاستقرار في شمال إفريقيا. لقد تم كشف الإمارات في فلسطين، و تم كشف دورها التخريبي و التآمري في المنطقة، لكنها تسعى بكافة الأشكال للحصول على مكافآت لصالح الكيان الإسرائيلي، ولعل ذلك ما أفشل لقاء انتوني بلينكن سكرتير الخارجية الأمريكي في لقائه مع نظرائه العرب في الأردن قبل أيام، حيث وقفت الإمارات إلى جانب بلينكن بعدم الموافقة على وقف إطلاق النار في القطاع. كما أن منصور بن زايد هو من ناب عن الشيخ محمد بن زايد الذي غاب عن القمة الطارئة التي تم عقدها في السعودية يوم 11 نوفمبر الجاري، كما غاب عن القمة العربية العادية التي تم عقدها في جدة، و الإمارات هي من الدول إلى جانب البحرين و المغرب التي رفضت إدراج بند في البيان الأخير لمنع استخدام القواعد الأمريكية في الخليج لتوريد السلاح إلى إسرائيل. و لعل التمثيل المنخفض للجزائر في القمة العربية - الإسلامية الأخيرة يعود للبيان الهزيل الصادر عن القمة، حيث تريد الجزائر بنأي نفسها عن أي موقف هزيل لا يدعم صمود الشعب الفلسطيني.

إن دولة الإمارات التي كانت في عهد الراحل زايد آل نهيان محطة عربية شامخة و جامعة للعرب و المسلمين، تحولت مع الجيل الجديد إلى محطة للتشتت و النيل من قضية فلسطين التي هي بوصلة قياس الوطنية في العالم العربي و الإسلامي.

آ.م